سُجِلتْ العلامةُ التجارية في بيروت بمستشفى الجامعة الأمريكية، حين خرجت الممرضةُ من حجرة الولادة تُبشِرُ والدي وخالي بأن الوالدة والمولودة في صحة طيبة. فصرخ الرجلان فرحاً، وسألا عن جنس المولود للتأكد، فأجابت بصوتٍ
منخفض وبأسفٍ بالغ:
– جاتكم بنت.
طرب والدي وخالي وأطلقوا الزغاريد في رواق المستشفى الضخم. شكَّت الممرضةُ بأن الرجلان لم يسمعا جيدا ما قالت،
فكررت:
– أنا شو قلت؟! أنا قلت بنت مو صبي.!
أطلقوا على هذه البنت الصغيرة ريم، أصل الاسم بالهمزة “رِئم”، وخفف لسهولة النداء. يسمون به الأنثى – وهو اسمٌ مذكرٌ- تحبباً بالمعنى، وقد يغيرون من نطقه فيقولون: ريمي، ريمة، ريما. ويُعَدُّ اسم “ريم” من أكثر أسماء الإناث تسميةً في الوطن العربي، خاصةً في بلاد الشام.
“ياريم وادي ثقيف، لطيف جسمك لطيـــف، ماشفت أنا لك وصيف، بالناس شكلك غريب” أغنيةٌ اشتُهرت جداً في الحجاز أثناء طفولتي، فكان معظم الناس بمجرد أن يسألوني عن اسمي فأخبرهم “ريم” يدندنون مباشرة بكلمات الأغنية. كانوا يظنون أن هذا إطراء وأن هذه الدندنة ستسعدني، لكن الحقيقة كانت غير ذلك. كان أخي -الذي يكبرني بخمس سنوات ويمارسُ كافة أنواع القهر المعنوي والضغط النفسي عليَّ- كان يغني الأغنية حتى إذا وصل لمقطع “في الناس شكلك غريب” مصمص بشفتيه وتأوه، ونظر إلي بشفقةٍ وأضاف تعليقات معناها بأني غريبة وغير معهودة بين الناس. كنت أقف أمام المرآة كثيراً وأنا في عمر الخمس سنوات أتأمل لماذا شكلي غريب؟
ثم ابتُليتُ بابن عمٍ لي وأنا في السابعةَ من عمري كلما نظر لي قال: كيف حالك يا حليمة؟! فأجيب بالنفي رافضةً فأنا ريمة ولستُ حليمة. فيؤكد لي إن حليمة هي مرضعة الرسول عليه الصلاة والسلام وهي من أشرف النساء، ثم يُسهب في سرد قصتها. ولا أفهم ما علاقتي بحليمة ما دام اسمي هو ريمة وليس حليمة.
وابنُ عمٍ آخر كنت كلما أقدمت على فعل أو قول، علَّق قائلا:
“رجعت ريمة لعادتها القديمة”
وبالتالي أصبحت كل أفعالي عاداتٌ قديمة بمجرد اقترافها.
ثم وقعتُ في الحبِ لأول مرة وأنا في الثانية عشر من عمري، وكان بيني وبين ابن جيراننا مكالمة هاتفية واحدة أسمعني فيها أبياتاً من الشعر قال فيها:
” ريمُ ” على القاع بين البانِ والعلمِ
أحل سفك دمي في الأشهرَ الحُرمِ
رامى القضاءُ بعيني جُؤذَرًا سرًا
يا ساكن القاعِ، أدركْ سَاكِنَ الأَجمِ
لمَّا رنَا حدَّثتني النفس قائلة
ياويح جسمك بالسهم المصيب رُمي
فوالله ما أدركْتُ أنه شعرٌ في الغزل وإنما ظننتها أبياتٍ في وصفِ الصَّيْد، وقطعتُ العلاقةَ بعدما اكتشفتُ أنه يتحدث لغةً لا أفهمها.
كانت المعضلة الرئيسية بيني وبين اسمي أن معنى الاسم هو “الغزال أو الظبي الأبيض” المهم حيوان رشيق في شكله وحجمه، وأنا أشكو طول عمري من أني ممتلئة القد، ملفوفة الجسد، فبالتالي إما أن لا يكون لي من اسمي نصيب، أو أن حالي يؤكد نظرية البعض بأن الإنسان يكون نقيض اسمه، فياسمين رائحتها سيئة، واعتدال متطرفة، ووديع عنيف وهكذا.
أنا الآن على مشارف الخمسين ومازال اسمي “ريم” لم أغيرْه أو أستبدلْه، لأني حينما كنت في العشرين قمتُ بمسحٍ شاملٍ على كل من أعرف من الريمات، فاكتشفتُ أنهن شخصيات فعالة لهن حضورٌ قوي وجذاب، عميقات التفكير بشكلٍ واضحٍ رغم تسرعهن أحياناً في إتخاذ القرارات، ويظهر التعجل الظاهر على سلوكهن بشكلٍ عام، تبحثن عن المثالية والتميز، تحببن المرح ويمكن الإعتماد عليهن عند الحاجة. بعد معرفتي نتيجة الاستقراء أحببتُ اسمي، تعلقتُ بإسمي من غيري، واحتفظتُ بالاسم وسجلتُه كعلامةٍ تدل على ذاتي.