اخترت مجال التسويق وبناء العلامات التجارية بالتجربة، كنت أسأل نفسي: ما العمل الذي أغوص فيه لساعات دون ملل بل بمزيد من الشغف والفضول؟ بعدها جاءني عرض عمل جزئي بنفس المجال ولكن براتب أقل لأنه مشروع ناشئ، قبلت به بهدف اكتساب الخبرة.
كنت أترقب فرصة أخرى تطور من قدراتي وتمنحني تجربة بصلاحيات أكبر لممارسة مجالي الذي أحبه، ولأني أؤمن أن الفرص تأتي لمن يستعد لها. دائمًا ما أقرأ كتب، أحضر ورش عمل، أسأل مختصين، أمارس مهاراتي بشكل جزئي حتى أتعلم وأتطور وأبدع.
كنت أشعر بالرغبة بتعلم المزيد والمزيد، بتعطشي للممارسة، وملاحظة حالات أخرى من الشركات كيف كان نموها وكيف قامت ببناء علامتها.
عندما وجدتها ووجدتني الفرصة، لم أنم في الليلة التي تليها؛ أول يوم عمل، مشاعري ما بين التوتر، الخوف، والفضول!
في أول يوم عمل لي، بدأت مسيرتي المهنية في مجال التسويق الذي أعشقه ودائمًا ما أكون مطلعة على أحدث أدواته وأهم أخباره ومؤمنة بقدراتي فيه، فكنت مليئة بالحماس والطاقة والرغبة في الإبداع.
عدت لمنزلي بنشاط غامر، بشعور التحدي غارقة في تفكيري “كيف سأساهم في نجاح المنظمة”؟
لم تدم تلك المشاعر طويلًا حتى بدأت أسمع كلمات تحطم آمالي من إحدى زميلات العمل بطريقة مباشرة مثل: “لا فائدة، نصيحة ابحثي عن مكان آخر”.
سألتها: لماذا؟ هل نصيحتك هذه لشخصي أم لصالح المكان أن أزيح نفسي حتى تسمح الفرصة لشخص آخر؟
ردت: لا، لا تهمني مصلحة المكان.. نصيحتي لك أنتِ!
ولكن شيء بداخلي.. أما بسبب نبرة صوتها أو بسبب طريقتها جعلتني أشعر بأنها غير صادقة وحقيقية.
شكرتها، قررت أن لا أسيء النية وأتقبل النصيحة بكل صدر رحب وأكمل يومي بشكل طبيعي.
من هنا كان أول موقف، بعدها بدأت تستمر بين الحينة والأخرى بدخولها لمكتبي تلقي السلام، تجلس، تقاطع عملي وتبدأ حوار
“ما الذي تفعلينه هنا؟ قلت لك لا فائدة!”
“ما قمت به الأسبوع القادم كان سيء، سيء جداً”
“المسابقة التي قمت بها مع متابعينك فاشلة في الحقيقة!”
وهلُمّ جرًّا.. في كل مرة تأتي لزيارتي في المكتب أشعر بثقل في صدري لأني سأضطر لسماع كلمات محبطة مزعجة.
أتمنى ألا تراني، أن تلقي السلام وتختفي، أن يناديها أحدًا ما وتذهب بعيدًا عني.
بعدها، انضم للفريق مدير جديد.. يفتقد للشخصية ويعتمد في قراراته على آراء من حوله حتى وإن كان الشخص غير مؤهل لإبداء رأيه.
ينظر للجميع بأن رأيه مهم، وهذا صحيح نسبيًا ورائع في البداية! ولكن في الواقع لا يمكن سماع رأي شخص مختص بالمحاسبة في صلب عمل شخص آخر مختص بصناعة المجوهرات!
كان المدير يستمع للزميلة المحبطة، يصدقها ويأتي لي ويأمرني بالاستماع لرأيها. بحجة أنها درست شيئًا ما لا أعلمه في مجالي.
وهذا غير صحيح، النصائح التي كانت توجهها لي تناقض أساسيات المجال في معظم الأحيان.
أصبحت تلك الزميلة المقيتة بالنسبة لي تتحدث مع زملاء العمل عني وكيف أني هنا بلا جدوى بصوت أستطيع سماعه في مكتبي!
“هذا المنصب يتطلب شخص ذو خبرة أفضل!”
” محاولات فاشلة”
شعرت بأني أرغب بالوقوف ومواجهتها ولكن ترددت وسألت نفسي ماذا سأقول؟ وقررت التجاهل وإتمام العمل الذي بين يدي بدلًا من ذلك.
لم أستطع الرد، كنت أتفاجأ ولكن، بعدها أصبح الأمر اعتياديًا بالنسبة لي. وكأنه جزء من المنظمة وعلي تقبله إذا كنت أرغب بالاستمرار.
الأدهى والأمر، أن مديري الجديد لديه طباع سيئة، مثل: نقل الكلام السلبي الخاطئ بين أفراد المنظمة، والتسبب بإشعال الفتن بين العاملين واستشارة الجميع في القرارات التي ليس لهم علاقة بها حتى يتجنب تحمل مسؤولية أخطائه.
تسبب بإشعال فتنة بيني وبين كثير من العاملين في المصنع، عن طريق نقل كلام خاطئ وغير حقيقي ومبهم. يستخدم جملة ذكرتها عن شخص صحيحة وينقلها بإضافة الكثير من البهارات التي تشعل غضب المنقول له.
دخلت عدة مرات المكتب، ووجدت الزميلة المقيتة مع المدير الجديد في حوار عن عدم فاعلية وجودي في المكان. كان يمكنني سماعهم قبل الدخول ثم يعم الصمت حين انضم لهم.
زاد الضغط النفسي أكثر فأكثر، عندما ذهب المدير الجديد للمدير العام لرفع شكوى عني واجتماع رسمي لأني غير لبقة في التعامل وأن الجميع لديه مشكلة معي.
بالطبع سيكون لدي مشكلة طالما يشعل الفتن!
سألته: أرجو أن توضح لي من هم الأشخاص المنزعجين بتعاملي معهم؟
وماهو بالضبط التصرف غير اللبق الذي يصدر مني؟
جواب غير واضح. كلمات مبهمة ونبرة صوت انفعالية.
سألت مرة أخرى: أرجو التوضيح حتى أتعلم من أخطائي.
لم أسمع شيئًا مفيدًا، حينها أدركت أن الأمر شخصي وليس له علاقة حقيقية بتصرفاتي. مما آذاني نفسيًا لأنها شكوى غير حقيقية.
وكانت السلطة تلعب دورًا رئيسيًا هنا. لأنه علي أن أتقبل ما يقال وأعترف أنني فعلًا بهذا الشكل وأعتذر.
بعد عودتي للمنزل شعرت بغضب مثل بركان ثائر، وأقول في نفسي كاذب كاذب! مريض!
دخلت غرفتي للنوم، استيقظت على ألم شديد في معدتي لأول مرة في حياتي أشعر به، بكيت من شدته، أسعفني والدي وهو في قلق وخوف علي.
كان التشخيص نوبة قولون عصبي. لم أعاني يومًا منه، ذكر الطبيب أعتقد أن لديك ضغط نفسي شديد. أرجو أخذ قسط من الراحة وتناول الدواء اللازم..
قاومت عن طريق محاولة الدفاع عن نفسي بالمواقف كثيرًا، ثم استسلمت بصمتي وأنكم على حق وأني أنا المخطئة وأعتذر. كانت مقاومتي بفضل عائلتي وأصدقائي، دائمًا ما أشاركهم الأحداث لأني أعود محطمة ومثقلة.
أراهم على حق وأرى نفسي أني بالفعل لا أستحق، قل تقديري لذاتي، تعرضت لضغوط وبدأت أشعر بالإجهاد النفسي مما تسبب إصابتي بنوبة هلع مفاجأة.
بعد فترة من الزمن اكتشفت أن مديري يعاني من اضطراب نفسي عندما رأيته يتناول العلاج صدفة وأخبرني بذلك. وأن زميلتي المقيتة ترغب بإدخال شركتها الخاصة لإدارة مهامي، وأن مسؤول المبيعات قام بإرسال سيرة ابنه الذاتية ليتقلد منصبي.
كنت أعتقد أني لا أستحق أن أكون في هذا المكان وأني غير قادرة على الإنجاز.
ويومًا ما تلقيت اتصال من أحد الشركات المعروفة بعرض وظيفي” مديرة قسم التسويق” طالما حلمت به، فريق متكامل، إدارة مختلفة، صلاحيات أكبر ومنصب أعلى.
شعرت بسعادة غامرة ورهبة. شاركت عائلتي وأصدقائي بالخبر والجميع كان متحمس ومشجع لي.
لكن شعوري بعدم الاستحقاق تغلب على مشاعر الفرح، فجأة تذكرت المواقف التي عشتها وبدأت الأفكار تسيطر علي. “لم تنجحي بعملك الحالي فكيف بهذه الفرصة الكبيرة”! “أنتِ غير قادرة الطريق أمامك طويلًا” مما جعلني أتجنب الألم مرة أخرى وأرفض الفرصة.
قسوت على نفسي حينها. لم لم أكن على حقيقتي التي أؤمن بها؟ لماذا هربت؟
لم أكن أدرك أن الجميع بدأ من الصفر في يومًا ما! طالما أن الإنسان يسعى سيحصد.
لم أكن أدرك أثر القوة الداخلية والثقة في عافيتي النفسية وتقدمي
للنجاح ما دمت في رحلة التطوير.
واليوم قررت بناء نفسي من الداخل واحترام كياني وذاتي والثقة بقدراتي بالتوكيدات وبناء الحدود.
سأعتني بذاتي، وأراجع معتقداتي وقيمي، وأهتم بمشاعري، وأكون حازمة أكثر. سيكون لدي مرشدة مهنية، سأحتفل بإنجازاتي الصغيرة.
الفرق كان غير واضح ما بين الوعي بنقاط القوة والضعف وما بين الثقة بالنفس، ما بين سماع النقد الإيجابي وما بين رمي الكلام والتحطيم.
ومهمتي من اليوم فصاعدًا، تحليل الفرق قبل أخذ حوار أحدهم في عين الاعتبار! والأهم من ذلك كيف أحاور نفسي لأنهي رحلة الشك.