أحرف اسمي

كنّا بمصر، في الاسكندرية تحديدا، على الغداء في ببيت عمتي فاطمة
في صيف أولى ثانوي
وانا انتظر المُلوخية والأرز وحضور بقية أفراد العائلة الأكبر مني سنًا الى المائدة،
جائتني خالة أماني وهي سلفة عمتي وإنسانة كلها حب وحنان وسألتني: “لجين، انت عارفة أسمك معناه إيه؟”
أجبتها: “معناه الفضة”
سألتني: “وإيه كمان؟”
احترت فقلت: “بحثت عن معناه وأنا في المتوسط ولم اجد الإجابة بالمكتبة”
فابتسمت وقالت: “لا عليك ، اسمك جميل جدا، له اكثر من معنى، أريدك أن تصغي جيدا:
اللجين هي الفضة الصافية النقية. من نقاءها تظل في حالة سائلة ولا تتجمد.
كل المجوهرات الفضية التي ترينها يضاف لها شوائب لكي تتجمد وتصقل.
انت لجين، نقية، صافية، لينة.”
هذا المعنى الاول…

“إذا ما تطيعني طاعة عمياء حأرميك في ملجأ الأيتام وأغير اسمك لزعبول المنكحاوي عشان أهل أمك ما يلاقوك وينقذوك”
صرخها بوجهي في إحدى نوبات غضبه. لن انساها لأني تمنيت في تلك اللحظة فعلا الذهاب إلى الملجأ…الهروب.

اسمي لُجين
بضم اللام
وليس بإضافة الواو
هكذا تنطق وتكتب بالعربية الفصحى

طفولتي عشتها في أمريكا
لغتي الأولى الانجليزية
عدنا عندما انتهى والدي من دراسته العليا
وأنا في التاسعة من عمري
كنت ارى أبناء عمومتي كل صيف
بالنسبة لهم كنت كائن غريب
لا يتحدث مثلهم
خارج عن المألوف
فكانت طريقة تعاملهم معي هي
التنمر
يهزأون بنطقي الصحيح للإنجليزية
ونطقي الخاطيء للعربية
يغنون أغنية “لُجَّين يا لُجَّين هيا إلى العمل”
على وزن وقافية “بشار يا بشار هيا إلى العمل”
يكررونها باستهزاء حتى انفجر باكية
حينها ينعتونني بالحساسة
أو المتكبرة لأنني لا أملك حسهم الفكاهي

في إحدى نوباته الأخرى، قال لي: “كأنني أسميتك روان: فأنت متعالية، صعبة ووعرة”
آلمني ذلك كثيرا.
فأنا كنت لا أرى ذلك حينما انظر الى المرآة…
كنت أرى طفلة تحارب منذ لحظة تكوينها على الأمان،
تصارع الكل كي تُفهم، كي تَفهم

كبرت
ووجدت راحتي بين الأحرف.
قرائتها
كتابتها

الأحرف لا تتنمر
الكتب لا تطلق احكاما على قارئها

الكتابة تخفف الضيق الخانق
تؤنس الوحدة القاتلة
تنصت لكل وجع
لكل تأوه
ترسخ كل فرحة
تجسدها
تخلدها

الكتابة والقراءة
كانتا مرفأ الأمان
حين باتت كل الأماكن غير آمنة

تزوجت صديق روحي
أنجبت ابنتان
في كل واحدة كانت تسميتها سهلة
آمنت أن الله معي ولن يضيعني

ليلى هي الاولى
أسميتها ليلى لجدتها-حماتي احلى خلق الله
في كل مرة أقابلها فيها تدخل السرور على قلبي
ذكرتني بأهل أمي
طيبة القلب
حلوة العشرة
قوية الشخصية
ذكية وتحب القراءة
وجميلة قلبا وقالبا

أحببتها
فأردت ان اسمي ابنتي الاولى نسبة لها.
وايضاً اعجبني معنى الاسم فهو: نشوة الخمر
من هواياتي النظر الى الأشياء برومنسية
فنشوة الخمر بالنسبة لي هي قمة التلذذ
وليس الخمر بحد ذاته
ففسّرت معنى ليلى إلى: قمة التلذذ

ليلى تجسد اسمها فيها
فهي قمة التلذذ فعلا
تغوص في كل شيء بكل مشاعرها
تحب الفنون والرقص واللعب والمغامرات
مرحة وتعشق تعلم كل ما هو جديد
نظرتها للحياة
لكل لحظة بأنها فرصة للسعادة والاستكشاف
علمتني أن اتريث
أن استمتع
أن أكون

ابنتي الثانية هي لينة
سُمِّيت لأمي لينة -أجمل نساء الكون في عيني
طيبة القلب
أجود مخلوقات الله
كريمة بنفسها ومالها
نبض أسرتنا
لينة هي: اسم علم مؤنث مُعَرَّب،
ورد لفظه في القرآن: ﴿مَا قَطَعْتُمْ مِنْ لِينَةٍ أَوْ تَرَكْتُمُوهَا قَائِمَةً عَلَى أُصُولِهَا﴾ [الحشر: من الآية5].
وهي: النخلة، النخلة الكريمة.
هي النور في الإغريقية
هي النقاء بالهولندية
هي القوة في اللاتينية
وهي اللين في الامريكية
فاسم لينتي يضم كل صفات القائد الشجاع
فهي لينة أحيانا وقوية حينا آخر
هي النقاء والنور الذي يشق الطريق للعالم
هي المستقلة الشامخة
هي المعطاءة الكريمة

لينة ابنتي كريمة بحبها الفياض
في أي لحظة اجدها في حضني
بدون مقدمات
تملأ يومي بحب ليس له قيود
حين تنام
تلف ذراعيها حول عنقي
وتختبىء في أحضاني
انام ونغمة أنفاسها في أذني
حبها اطلق السراح لحبي
لصبغ كل لحظاتي بالحب

لا زلت اسمع نغمة صوت خالتي أماني وهي تشرح المعنى الثاني لاسمي في ذلك اليوم:
“اللجين هو انعكاس الشمس على سطح الماء، فأنت يا لجين مرآة الشمس…”

قررت في تلك اللحظة بأنني لن أكون ضحية
بأنني سأجد حلولا لأكسر الحلقة المفرغة التي أجبرت عليها
لأنني مللت من كثرة الاختباء
من الخوف
من تصغير نفسي لحجم ترضاه بيئتي
من كتم مشاعري

أنا مرآة الشمس
أنا الفضة النقية
أنا النقاء الجاري

انا أم ليلى وليِنة
أنا زوجة أحمد
أنا لجين أولًا وآخرًا

فلن أرضى لأحد أن يحجب تلك المعاني
ولا أن يعكر نقائها…فهي أحرف تحمل قصتي.

Contributors